mardi 22 janvier 2013

استراتيحية وزارة الصحة بالمغرب



لايجادل أحد في كون أن الصحة جزء لايتجزأ من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .... فإذا كانت الصحة غاية أساسية من غايات التنمية فإن القدرة على التنمية نفسها تتوقف على الصحة، وبالتالي فهي تعتبر مكون أساسي ولازم للتنمية الإنسانية، وشرطا ضروريا لها.وبين التنمية البشرية المستدامة وبين الصحة علاقة وطيدة ومركبة، فالصحة تعتبر من أهم القطاعات التي تستهدفها التنمية وتعد من أهم ركائزها ودعائمها لكون الصحة مرتبطة بالإنسان الذي هو منطلق التنمية وغاياتها، ولذلك - بالضرورة - فلا تنمية في ظل غياب مقومات صحة الإنسان، وهو ما يجرنا إلى طرح الإشكالية الكبرى حول مدى احترام الحق في الصحة كحق من حقوق الإنسان.
كما أنه أضحى من المسلمات استنادا إلى العديد من الدراسات والتقارير أن الفرق في المؤشرات الصحية، ما هي إلا نتيجة لانعكاسات الفرق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعليه اعتبرت هذه المؤشرات مقياسا للتنمية الشاملة، ولهذا الاعتبار شددت كل الدراسات على المحددات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية للصحة، وعلى الدور المحوري للاستثمار في رأس المال البشري عن طريق الصحة والتعليم كمتطلبات أساسية لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، وفي هذا الإطار تظل الأهداف التنموية للألفية الثالثة لها علاقة بالصحة كخفض نسبة المواطنين الذين يقل دخلهم عن دولار أمريكي واحد في اليوم، وأيضا الذين يعانون من الجوع والفقر، وخفض معدل الوفيات الأطفال دون سن الخامسة، ومعدل وفيات الأمهات وانتشار فيروس الإيدز والملاريا وغيرها من الأمراض الفتاكة والسارية، وخفض نسبة الأشخاص الذين لايحصلون على مياه الشرب الآمنة، وعلى خدمات الصرف الصحي وتحقيق تحسن في المستوى المعيشي للسكان وإتاحة الأدوية الأساسية بأسعار مقبولة....
في العقدين الاخيرين عرف المغرب مجموعة من الاوراش الاصلاحية (سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية) ومن بينها تحديث بعض السياسات الاجتماعية وعلى رأسها تحديث المنظومة الصحية، وتعتبرالدولة المغربية اخراج قانون مدونة التغطية الصحية (قانون 65ـ00) الى حيز التطبيق انجازا كبيرا لضمان الحماية الإجتماعية ووسيلة لضمان الصحة للجميع ودلك بتعزيز التضامن والتكافل الاجتماعي بين المواطنين. الا أن هاته الاصلاحات رغم انخراطها في التوجهات الاصلاحية العالمية لم تستطع أن تكرس من خلال السياسات العمومية الاجتماعية المتبعة ضمان الحق في الصحة كحق من حقوق الإنسان (الفصل 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية) و دلك لعدم استجابتها لمتطلبات المواطنين خاصة الفئات المستضعفة.
1.
اختلالات المنظومة الصحية بالمغرب:
إن المنظومة الصحية للمغرب تعاني من اختلالات كبرى دات طابع بنيوي، تدبيري، مالي وحكماتي :
-
اشكالية الولوجية للخدمات الصحية:
اشكالية الولوجية للخدمات الصحية ناتجة بالأساس عن تباين في توزيع بنيات ومالية القطاع العمومي للصحة ما بين المواطنين، وما بين ساكنة الوسط القروي والوسط الحضري و ما بين مختلف الجهات وللاشارة فإن 20 في المائة من الفئات الميسورة تستفيد من 40 في المائة من مجموع الخدمات الصحية العمومية في حين أن 40 في المائة من الفئات الأكثر فقرا تستفيد فقط من 20 في المائة من هاته الخدمات. والخطير في الأمر أن حالات الأمراض المزمنة (كالسكري والسرطان والقصور الكلوي وأمراض القلب والشرايين والصحة العقلية...) و نسب تفشي الأمراض المعدية (كوباء السل القاتل المقاوم للادوية والاسهال والتهاب السحايا والأمراض المنقولة جنسيا والسيدا...) في تزايد متسارع وتعاني من اشكالية عدم التكافؤ بين العرض والطلب مما يمكن الجزم بـأن النظام الصحي المغربي نظام ثابت لم يتفاعل ولم يتغير موازة مع تحول الخريطة الديمغرافية والوبائية بالمغرب. وتعتبر الاجراءات المطبقة في القطاع العمومي للاستفادة من الخدمات الصحية الضرورية لضمان صحة وسلامة المواطنين عائقا يحد من الولوجية للاستفادة من الخدمات الصحية، ونذكر كمثال على ذلك فرض مساهمات مالية بالمستشفيات الجامعية تتراوح بين 200 درهم إلى 50 في المائة من فاتورة العلاج على الفئات الفقيرة والمعوزة بدون سند قانوني (أكد ذلك التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات)، مما يطرح تساؤلا كبيرا عن مأل الوضعية الصحية لأكثر من 30 في المائة من الشعب المغربي الدي لا يستطيع أن يضمن حتى لقمة عيشه إلا بصعوبة كبيرة فبالأحرى أن يضمن تكاليف العلاجات الصحية عندما تتخلى الدولة عن دورها في توفير الدعم الكامل اتجاههم؟
إن إشكالية الولوجية بالمغرب لا يمكن تبريرها فقط بغياب الإمكانات المادية والبشرية، بل هناك غياب إرادة سياسية حقيقية قطاعية وحكومية لمعالجة نواقص المنظومة الصحية حتى يتسنى لها ضمان ولوجية تامة ومجانية لكل المواطنين بدون استثناء، وخير دليل على ذلك هو التماطل وسياسة الكيل بمكيالين لعرقلة تعميم وتطبيق قانون مدونة التغطية الصحية؟ كما يمكن تفسير غياب هاته الإرادة الإجراءات التدبيرية المتبعة لمواجهة أخطر الأمراض القاتلة كالسرطان ومرض القصور الكلوي...، ولعل جمعية للا سلمى لمحاربة السرطان من خلال تجربتها الأخيرة في هذا المجال برهنت على أن وزارة الصحة لا تبدل مجهودا لحل المشاكل الآنية والمستعجلة لتخفيف من معانات المواطنين مع العلم أن جمعية للا سلمى استعانت فقط بخبراء لتشخيص الوضع وكونت نفس الموارد البشرية بالقطاع الصحي واستعملت نفس المستوصفات الطبية والاستشفائية الموجودة. أما الإجراءات التي قامت بها وزارة الصحة للتكفل بمرضى القصور الكلوي فهي بمثابة مزايدات سياسية لا أقل ولا أكتر لأنها في الحقيقية مولت بنفس الاعتمادات المالية الخاصة بتسيير القطاع مما يطرح تساؤلات عدة عن سياسات ضرب القدرة التسييرية للقطاع الذي عانى ومازال يعاني من إسقاطات السياسات الإصلاحات المالية المتتالية وتعزيز دور القطاع الخاص في مجال العلاجات الطبية.
-
المستشفيات :
المستشفيات كذلك غير قادرة على مواكبة التغيرات الديمغرافية والوبائية و التكنولوجية رغم نهجها لاستراتيجية اصلاح المستشفيات عبر تكريس مبدأ الاستقلالية من خلال تطبيق نظام مصالح الدولة المسيرة بكيفية مستقلة وعبر انجاز مشروع المؤسسات الاستشفائية. الاختيار الأول اثبث فشله لأنه لن يستطع ولم يستطيع تحقيق الاستقلالية المالية التامة حيث مازالت المراكز الاستشفائية العمومية تعتمد على دعم الميزانية العامة نسبيا لتمويل ميزانية تسييرها و كليا لتمويل استثماراتها. أما الاختيار الثاني فهو رهين بتوفير الاعتمادات اللازمة لتحديث المستشفيات ومواكبة التطور التكنولوجي السريع عبر اقتناء اجهزة متطورة وباهضة الثمن حتى يتسنى لها الاستجابة لمتطلبات المواطنين طبقا للخريطة الوبائية المحلية. إذا فشل الاختيارات ناجم بالاساس عن ارتفاع معدل الفقر وعن تواجد ارادة خفية تريد ضرب مجانية الصحة بدءا من سياسات إستعادة التكلفة وصولا إلى خصخصة القطاع الصحى مستقبلا متخدتا كدريعة عدم قدرة القطاع الصحي العمومي لتوفير التمويل وتحقيق التنافسية مع القطاع الخاص. وهذه الجهات تأخذ من التنافسية مدخل للدفع بالقطاع العمومي لتبني اليات اللبرالية حتى تكون مهيأة للخصخصة مستقبلا.
أما المستشفيات الجامعية فأصبحت فضاءات علاجية غير مرغوب فيها من طرف المواطنين لأنها أصبحت تفتقد لكل الإجراءات الإنسانية لاستقبال وعلاج المرضى، وأصبحت بمثابة مركز لتشخيص الأمراض وثني المرضى على تلقي العلاج بالمصحات الخاصة، وما هذا التحول إلى نتيجة لإمكانية الأطباء مزاولة مهامهم في نفس الوقت بالقطاع الخاص (سياسة الوقت الكامل المعدل). مما ولد إرادة خفية لضرب جودة العلاجات وعدم الاهتمام بالبنيات التحتية والتجهيزات والمستلزمات الطبية حتى يتمكن هؤلاء من مزاولت مهامهم بالقاع الخاص والاحتفاظ بأجورهم بالقطاع العام. ومن جانب آخر تظل ظاهرة ترويج الأدوية والمعدات الطبية المغشوشة والمزيفة بهاته بمثابة ناقوس الخطر لبداية فقدان المواطنين الثقة بالقطاع العمومي والتوجه إلى القطاع الخاص، ولعل هاته الظاهرة المسكوت عنها منذ زمن بدأت تعرف رواجا واسعا في السنوات الأخيرة على المستوى الوطني إما عبر تشجيع صناعة محلية مزيفة، أو عبر استيرادها من الدول التي لا تحترم المعايير الدولية في إنتاج المعدات الطبية، ويتم بيعها بالمغرب واستعمالها داخل مستشفياته حيث لا يتواجد مهنيين يهتمون بمراقبة جودة وسلامة هذه المعدات واللوازم الطبية رغم أنها شكلت في أكثر من حالة سببا رئيبسيا في ارتكاب أخطاء مهنية أثناء العمليات الجراحية أو انتقال العدوى والتعفنات داخل المستشفيات أو خلق أعراض مرضية جديدة.
-
اشكالية تمويل القطاع الصحي بالمغرب:
عند تشخيص اشكالية تمويل القطاع الصحي بالمغرب يتبين أنه ما زال يحتل مرتبة متدنية مقارنة مع دول ذات وضعية اقتصادية مماثلة للمغرب مما يحول دون تحقيق العناية بصحة المواطنين وخاصة الفئات المستضعفة وصحة الأم والطفل والأمراض المزمنة والفئات المعوقة والمهمشة، ولعل لغة الأرقام توضح أكثر إلى أين وصلت صحة المغاربة مقارنة بباقي الدول حولنا: إذا قارنا الإنفاق الصحي على مستوى الدول العربية سنجد أن الإنفاق على قطاع الصحة يمثل من الإنفاق الإجمالي 1.2 % من الدخل الوطني و 5 % من الميزانية العامة للدولة بينما يبلغ 12.2 % في لبنان 9.5 % في الأردن 7 % في جيبوتي وفقا لبيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005، ويعزى هذا الخصاص والنقص والضعف في الإنفاق الصحي أوفي الميزانية المخصصة لقطاع الصحة إلى قبول المغرب للأطروحات النيوليبرالية وللتوجيهات المؤسسات المالية ولتأثيرات العولمة المتوحشة التي تهدف إلى تدمير الخدمات العمومية من صحة وتعليم وسكن وشغل. وعند تعميقنا لدراسة وتحليل المؤشرات العامة والخاصة التي تفسر اشكالية تمويل القطاع الصحي ببلادنا نجد أن المواطن المغربي يتحمل وحده أكثر من نصف الغلاف الاجمالي الموجه لتمويل القطاع الصحي برمته، أما إذا أضفنا مساهماته في أنظمة الحماية والتعاضد الاجتماعي فنجده يمول حاليا أكثر من 68 في المائة من الغلاف الاجمالي الموجه لتمويل القطاع الصحي، مما يطرح علينا تساؤلا عن مدا جدوة مدونة التغطية الصحية المطبقة حاليا (جزئيا) إن لم تستطع تخفيض هذا العبء الثقيل الذي يضر بدخل والمستوى المعيشي للمواطنين. كما يمكن الاشارة الى أن الجزء الكبير من هذا التمويل يستفيد منه القطاع الخاص ( مستشفيات خاصة، مراكز التحليلات والأشعة الخاصة، الشركات الدوائية) في حين أن القطاع العام يستفيد فقط أقل من 10 في المائة من النسبة المذكورة أعلاه رغم توفره على 80 في المائة من اجمالي البنيات التحتية الوطنية مما يفسر عدم نجاعة السياسة الصحية العمومية المتبعة.
-
السياسة الدوائية المغربية
السياسة الدوائية المغربية لم تحد من اشكالية ولوج العلاج وذلك عبر العمل على رفع مؤشر استهلاك الدواء بالنسبة للفرد، حيث أن اثمنة الأدوية بالمغرب تعرف ارتفاعا كبيرا مقارنة مع دول مماثلة من ناحية الدخل. وتتميز الصناعة الدوائية بالمغرب بهيمنة الشركات الاجنبية المنتجة للأدوية الأصيلة و ضعف انتاجية القطاع الدوائي الوطني مما يحول دون تشجيع استهلاك الأدوية الجنيسة، وما توقيع اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا عائق أخر للاستمرار استهلاك الأدوية الأصيلة من أجل الاستمرار في تخليص تكلفة حقوق الملكية الفكرية و الانتاجية المسببة المباشرة لغلاء الدواء في العالم. وتتميز السياسة الدوائية أيضا بغياب لائحة دوائية اساسية وطنية وطرق تدبيرية حديثة تساهم في عقلنة تدبير استهلاك الدواء خاصة في المستشفيات والمراكز الصحية العمومية. كما يمكن الاشارة إلا أن المساهمة المادية للدولة في مجموع استهلاك الدواء على المستوى الوطني لم يبلغ 5 في المائة، وهذا ذليل آخر على أن السياسة الصحية المغربية لازالت تتهرب من جعل توفير الدواء اولوية في استراتيجياتها في مسألة العلاج. ورغم ضعف توفير الدولة للدواء الكافي في مستشفياتها ومراكزها الصحية لتاثيربالرفع في مؤشر استهلاك الدواء بالنسبة للفرد عبر توفير الدواء للفئات المستضعفة مازالت الدولة بعيدة عن دائرة الانتاج في هذا المجال رغم توفرها على مركز كبير ببرشيد مجهز باحدث الأجهزة لصناعة الدواء، مما يطرح تساؤلا و إحراجا للحكومة المغربية عن نيتها المبيثة لعدم تشغيل المركز المذكور الذي كلف الدولة ملايين الدولارات في اطار قرض من البنك العالمي. وهذا التوجه ما هو إلا دليل على ترك دائرة الانتاج لهيمنة الشركات العالمية المنتجة للدواء بالمغرب تحقق ارباحا طائلة دون وجه حق على حساب المواطنين المغاربة.
-
الإختيارات السياسية في مجال المقاربة الصحية:
ومن جانب آخر ونظرا للإختيارات السياسية التي عرفتها بلادنا في مجال المقاربة الصحية أصبحت الصحة الوقائية والعلاجات الأولية مهمشة وتحتل درجة ثانوية في استراتيجية الوزارة، مما أدى إلى توقيف أو التخلي جزئيا أو كليا عن عدد كبير من البرامج الصحية الوقائية وإغلاق عدد من المستوصفات والمراكز الصحية وتوقيف الوحدات الصحية المتنقلة والتمريض المتنقل والأسري الذي يلعب دورا أساسيا في تقريب العلاجات الوقائية من الساكنة وخاصة في البوادي والمناطق النائية والمهمشة، مما أدى إلى عودة ظهور وتفشي أمراض معدية ووبائية متنقلة في صفوف المواطنين وخاصة منهم الطبقات الفقيرة والجهات الجغرافية والمجالية المهمشة (وباء الليشمانيا الذي أصاب سكان إقليم الراشدية في ماي 2010)، كما ازدادت نسبة الأمراض المزمنة كأمراض القلب والشرايين وضغط الدم وأمراض القصور الكلوي والتهاب الكبد والسرطان وأمراض السكري، و ارتفعت نسبة تفشي الأمراض المعدية كوباء السل الشديد المقاومة للأدوية والإسهال والتهاب السحايا والأمراض النفسية والأمرض المنقولة جنسيا والسيدا. فعلى سبيل المثال لا الحصرقدر عدد المصابين بالسرطان بٍـ 30 ألف مريض سنويا ولايتم تشخيص إلا 10 % منهم فقط، أي بعد وصول المريض إلى حالة ميؤوسة وخطيرة تؤدي إلى الوفاة في أغلب الأحيان، ولولا مساهمة جمعية للا سلمى لمحاربة السرطان في خلق مراكز جديدة للعلاج والتشخيص المبكر والتوعية لمحاربة أسباب المرض، لَاستمر الوضع على ما هو عليه في تزايد مخاطر هذا الداء الفتاك. وفي نفس الإطار تزداد حدة ارتفاع مرض السل والوفيات الناجمة عنه بشكل كبير حيث تجاوز عدد الحالات الجديدة التي يتم تشخيصها سنويا 30 ألف حالة، وكذا نسبة المصابين بالأمراض النفسية والعقلية الناتجة عن العوامل الاجتماعية القاهرة كالفقر والبطالة والمخدرات ....، كما ارتفعت الأمراض المنقولة جنسيا إلى 600 ألف مصاب سنويا، أكثر من 60 % منهم من النساء وهي أمراض تعتبر من العوامل الرئيسية في انتشارداء المناعة المكتسبة السيدا التي وصلت بدورها إلى أرقام مقلقة حيث وصل عدد الحاملين لفيروس الإيدز إلى 20 ألف حالة منهم 3 ألاف شخص مصاب بمرض فقدان المناعة المكتسبة، وتظل نسبة هامة من الفئة الأولى خارجة كل تغطية صحية أو مراقبة صحية.
2.
فشل الإستراتيجية والمقاربة الصحية الحالية: 
وفي قراءة سريعة لأرقام المؤشرات الصحية لسنة 2008 يتبين أن العديد من هذه المؤشرات عرفت اتجاها سلبيا وخاصة نسبة وفيات الأمهات والأطفال دون سن الخامسة التي ارتفعت بشكل ملحوظ بالرغم من كل ما قيل من طرف وزارة الصحة حول هذا الموضوع، كما أن مساهمة الأسر في تغطية النفقات الصحية انتقلت من 54 في المائة إلى 57 في المائة خلافا لما تبنته الاستراتيجية المعلنة نتيجة ارتفاع تكاليف الاستشفاء والأدوية والتشخيص والعلاج سواء بالقطاع العام أو القطاع الخاص.
وفي نفس السياق ظلت الطبقة الفقيرة والكادحة تواجه صعوبات وعراقيل جمة في ولوج العلاج نتيجة تعليق تنفيذ مقتضيات مدونة التغطية الصحية المتعلقة بالمساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود إلى سنة 2010، وظل معها التساؤل مطروحا إلى يومنا حول مآل ومصير الميزانية المخصصة لهذا المجال والمقدرة ب 2,7 مليار درهم. 
الموارد البشرية بالقطاع تعرف صعوبات كثيرة خاصة من ناحية العدد حيث هناك خصاص كبير في الموارد البشرية الكفيلة بتقديم الخدمات الصحية في ضروف سليمة و معقولة، و هذا الخصاص يزداد حدة عندما يتعلق الأمر بالموارد البشرية المتخصصة في مجالات طبية معينة أو عندما تتوسع البنيات الاستشفائية الكفيلة بتغطية طلبات العلاج المتزايدة (احداث مراكز استشفائية جامعية جديدة، بناء مستشفيات جهوية واقليمية، الزيادة في الطاقة الاستعابية للمستشفيات المتواجدة). ويمكن اعتبار الخلل الناجم بين مسألة العرض والطلب في مسألة العلاج هو ناجم بالأساس عن غياب استراتيجية واضحة في مجال التكوين الأساسي للأطباء والممرضين مما يحول دون توفير الموارد البشرية اللازمة والكافية لتغطية الخصاص العددي. كما ان هناك صعوبات اخرى تتعلق بالموارد البشرية العاملة بالقطاع العام ويمكن تلخيصها في غياب برامج للتكوين المستمر، حيث معظم الشغيلة لن تستفد ولا مرة من دورات تكوينية مند تعيينها، وبالتالي لن يتسنى لها تحيين معارفها العلمية في المجالات الطبية التي تشتغل فيها، مع العلم أن العلوم الطبية والتمريضية هي علوم متطورة و متغيرة باستمرار وبسرعة وتستلزم مواكبة دائمة واستراتيجية فعالة في مجال التكوين المستمر. ويزيد الوضع تفاقما غياب أساليب تحفيزية للمسئولين والموظفين مما يؤدي الى هدر الطاقات المتواجدة بالقطاع العام واستغلالها من طرف القطاع الخاص وخاصة بالنسبة للاطباء الدي يتم استدراجهم الى المبالغة في استعمال الوقت الكامل المعدل الدي يمكن ان يكونوا في غنا عنه لو ثم تحفيزهم ولو نسبيا داخل قطاعاتهم العمومية. هدا وبالاضافة أن القطاع الصحي العمومي أصبحت طاقته البشرية المحالة على التقاعد في ازدياد مستمر مما يضر بالقطاع عامة بعد أن تضرر سابقا من استفادة عدد كبير و نخبة اساسية من عملية المغادرة الطوعية ضانين أنها ستعزز القطاع الخاص الوطني لكن معظمهم فضل الانتقال الى دول اخرى بحثا عن ضروف ملائمة لعملهم وحياتهم، مما زاد من حدة خصاص الموارد البشرية الذي يعرفه المغاربة مراكمة بذلك سلبيات أخرى في مجال تدبير الموارد البشرية والمالية للقطاعات العمومية.
لقد راكمت وزارة الصحة عدة ممارسات سلبية على مستوى التدبير الإداري والمالي للقطاع، فعم الفساد وهدر المال العام في العديد من المؤسسات الصحية بالرغم من شعارات الإصلاح والتخليق وميثاق حسن التدبير كما ظلت معايير المحسوبية والزبونية والعلاقات الحزبية هي القاعدة الأساسية في التعيين في مناصب المسؤولية سواء على المستوى المركزي أو المحلي، حيث غابت كذلك مواصفات انتقاء الأطر عملا بمبدأ الإطار المناسب في المكان أو المهمة المناسبة بناء على معايير الكفاءة والتجربة والنزاهة والاستقامة، وبالتالي فشلت كل الأطروحات والمقاربات التي تقوم على تهميش العنصر البشري والكفاءات التي يتوفر عليها القطاع. 
أما فيما يخص تحديد الأدوار المنوطة بكل فاعل من الفاعلين الأساسيين في قطاع الصحة (الدولة والقطاع الخاص و المجتمع المدني) فهناك تخبط مستهدف ومقصود: الاستراتيجيات التنموية اللبيرالية المسوقة في القطاع الصحي العام تدفع بالدولة الى التراجع عن دورها الاساسي في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين، هذا التراجع يشكل خطورة على فقدان هوية الدولة خاصة عندما تتخلى عن دورها الاجتماعي الدي هو المحدد الأساسي لسبب وجودها. وينجم عن ترك الدولة لدورها في تقديم الخدمات الصحية استحواذ القطاع الخاص على هذا المجال مع العلم أن هذا الأخير هو غير موجه من طرف السياسة العمومية المتبعة وهاجسه الأسمى تحقيق الربح أو مايسمى باستخلاص التكلفة والربح الصافي لرأس المال على حساب صحة المواطنين حيث صحتهم اصبحت سلعة بلغة السوق، وهذا يجعل من توجيه القطاع الصحي العمومي في خدمة المواطنين من الأهداف المستحيل تحقيقها في ضل هذا التوجه. وأمام الجدل المذكور أعلاه يتم التمويه بفكرة أن المجتمع المدني يمكن أن يلعب دورا اساسيا لحل المشاكل الصحية بالمغرب، مع العلم أن هذا الفاعل رغم تمكنه من الاستجابة الى بعض المطالب الصحية المستعجلة، فهو مازال يفتقد لرؤية شمولية واضحة حول القضايا الصحية ويعاني من ضعف الامكانيات المادية والبشرية، ولا يمكنه لعب دور الدولة لأن دورها مركزي في مسألة التنمية الصحية والاجتماعية.
أما الجانب التدبيري والحكماتي فيمكن اعتبار خلله هو نتيجة مباشرة لعدم تبني قيم ومبادئ المسائلة والتضمينية. قيمة المسائلة يمكن ملاحظة ضعفها سواءا في أعلى سلطة حكومية أو وزارية وصولا الى المسؤولين المحليين بالقطاع الصحي. هدا الضعف هو أولا نتيجة لغياب اليات المحاسبة والمسائلة الداخلية للاجهزة المعنية مع عدم التحديد المفصل للصلاحيات التدبيرية لكل مسؤول على حدة، وثانيا عدم نجاعة اليات المسائلة الخارجية التي يمكن للمواطنين أن يمارسونها عند التصويت على المنتخبين المحليين أو البرلمانيين. أما ضعف التضمينية فيمكن ملامستها في النظام الصحي المغربي الحالي الذي يتميز بالزبونية والمحسوبية بدءا من التعيينات في المسؤولية وصولا الى تقديم الخدمات الصحية. كما يمكن القول أن النظام الصحي المغربي نظام يكرس عدم مبدأ التكافؤ بين الشغيلة الصحية وبين المواطنين، ويتسم بغياب الشفافية الضرورية للنهوض بالقطاع الصحي الوطني.
وإجمالا يمكن القول أن التوجهات السياسية الحالية لازالت تنبني على النموذج التقليدي الطبي الضيق بدل النظرة الشاملة المبنية أساسا على مفهوم الرعاية الصحية الأولية لتحقيق العدالة والحد من الأمراض الفتاكة والانصاف واستباق التحديات، خاصة مع تعاظم وتفاقم المشكلات الصحية الناتجة عن التحولات والتغييرات الديموغرافية والوبائية والاجتماعية والآثار السلبية لتغيرات المناخ والبيئة، مثل ارتفاع نسبة المسنين والشيخوخة التي أصبحت تمثل أزيد من 8 في المائة من الساكنة أي 2,5 مليون مواطن ومواطنة، وتزايد نسبة الأمراض المزمنة والفتاكة وظهور أمراض جديدة وهي عوامل تتطلب الإرادة السياسية ومخطط عملي مندمج ومستدام لمواجهة مختلف التحديات الصحية المطروحة مرتكزة ومبنية على سياسة وقائية فعالة لضمان الأمن الصحي لكافة المواطنين.
ومن هذا المنطلق نعتبر أن السياسات الصحية ظلت تتبع مناهج واستراتيجيات متضاربة طابعها وسماتها الارتجال والتدبدب بين أولويات الوقاية أو العلاج اعتمادا على توصيات المؤسسات الممولة لبرامجها من جهة وبناء على مزاج وأطروحات غالبا ما تكون نظرية للمسؤولين المتعاقبين على القطاع من جهة ثانية بعيدا عن أية مقاربة شمولية للإشكالية الصحية تأخذ بعين الاعتبار محددات الفوارق الاجتماعية للصحة وتسعى إلى بناء سياسة صحية وطنية مندمجة واضحة الأهداف والوسائل والآليات وتكون محط نقاش وحوار وطني يحدد المبادئ والأهداف والأولويات ويرسم المخططات ويوفر الإمكانات والآليات والأدوات والموارد البشرية الكافية والمؤهلة للتنفيذ.
وفي الختام نؤكد على أن الصحة حق أساسي من حقوق الإنسان وواجب نصت عليه تعاليم الدين الإسلامي كما نصت عليه المواثيق الدولية، ولايمكن جعله سلعة للبيع والشراء والمتاجرة وبالتالي من مسؤولية الدولة التكفل وضمان هذا الحق كخدمة عمومية اجتماعية وإنسانية وعلى أسس العدالة والانصاف والاستفادة الجماعية للمواطنين كل حسب حاجياته الصحية وبشكل مجاني وشامل وضرورة جعل العنصر البشري الفاعل الرئيسي في المعادلة الصحية في قلب كل الإصلاحات والأوراش المتعلقة بالعملية الصحية من خلال تأطيره وتكوينه وتحفيزه وخلق الظروف والشروط الملائمة لمزاولة عمله بإثقان من أجل تطوير جودة الخدمات المقدمة للمواطنين ومن أجل ضمان الأمن الصحي للمجتمع ككل. 
ونتساءل جميعا حول مدى قدرة إدارتنا الصحية ونظامنا الصحي من تحقيق أهداف التنموية للألفية الثالثة، خاصة فيما يتعلق بترسيخ نظام عادل للحماية الاجتماعية وتوفير بشكل كاف لجميع المواطنين خدمات للرعاية الصحية ذات جودة عالية وربطها بالتنمية الشاملة والمستدامة. ونتساءل جميعا كذلك حول مدى نجاعة مشروع التنمية الصحية لبلدنا في إطار المشروع المجتمعي الكامل من أجل تطوير العملية الصحية وتقييمها وترسيخ نظام صحي أكثر نجاعة وفاعلية وقابل للتطور المستمر في كافة المستويات المحددة لنظامنا الصحي وربطها بالتنمية الشاملة، كالتوزيع العادل للخدمات الصحية، وعرض خدمات ذات جودة عالية، ورد الاعتبار للعنصر البشري واحترام كفاءاته، وضمان جودة التكوين الأساسي والتكوين المستمر، وتطوير التشريعات المنظمة للميدان الصحي والمهن الصحية وأخلاقياتها، وتحسين الأوضاع المعيشية وظروف العمل المهنية للشغيلة الصحية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire